انتشرت في السنوات الأخيرة ــ ولم تكن من قبل ــ هذه العبارة بين الناس وفي اللوحات الإعلانية وعلى أبواب المتاجر والمكاتب وعلى الطرقات وفي كل مكان.
وفي معتقد القائمين على نشر هذه العبارة
ــ ويصرف بعضهم المبالغ الباهظة لهذا الغرض ــ أن هذا من باب محبة الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا خلاف الأصل وهو الاتباع كما قال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله).
والعبارة ليست على حقيقة دلالتها اللغوية، فالذي يتلفظ بالصلاة على النبي لا تنبعث من فمه رائحة العطر حقيقة مثل الذي يمضغ صمغ النعناع مثلا.
وإنما المراد بالكناية أنها من الطيبات وبالتالي تكون بمثابة الطيب والعطر، وهي من هذه الزاوية بمثابة الحديث الذي رواه أبو هريرة في البخاري (2/1873) قوله عليه الصلاة والسلام: (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من رائحة المسك).
ومفادها أن رائحة فم الصائم وإن كانت في حقيقتها كريهة إلا أنها بسبب هذه العبارة هي عند الله طيبة، ولقد حث رب العزة والجلال الناس أجمعين إلى يوم الدين بالصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام كما قال تعالى: (إن الله وملائكته...) الآية، وقال تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم)، وقال تعالى: (ورفعنا لك ذكرك).. إلى آخر ما جاء من عند الله سبحانه وتعالى من تكريم ورفعة.
فالرسول عليه الصلاة والسلام بما جاءه من عند الله سبحانه وتعالى غني كل الغنى عن (اختراعات !!) الناس لمثل هذه العبارة التي يتداولونها. ولقد ورد حشد من الآيات في كتابه العزيز في الذم والتنديد والتقبيح للابتداع في العبادة مالم يشرع، كما قال تعالى: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله).
وعبارة (ولخلوف فم الصائم) هي من الحديث الشريف بل هي من كلام الله سبحانه وتعالى والحديث القدسي كما ذكره ابن حجر في الفتح (4/594). فهل يجوز للناس أن (يخترعوا !!) من عند أنفسهم عبارات الأصل فيها أن تكون من عند الله سبحانه وتعالى أو من عند رسوله ؟!.
والصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام من باب العبادة والعبادة الأصل فيها الاتباع وليس الابتداع كما ذكره الجويني في البرهان (2/325) والغزالي في المستصفى (1/215).
ولقد كتب أحدهم في إحدى الصحف المحلية بتاريخ (26/4/1433) مقولة يذكر فيها أن الصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام تغفر الذنوب. وهذا الاعتقاد هو إلى الغلو والتطرف أقرب من أي شيء آخر.
فإن كتاب الله سبحانه وتعالى مليء بحشد من الآيات التي ترجع غفران الذنوب إلى التوبة كما قال تعالى: (إلا من تاب وآمن..)، وقوله تعالى: (ومن تاب وعمل صالحا..)، وقوله تعالى: (إلا الذين تابوا..).. إلى آخر هذه الآيات.
وإن من الأكمل والأجمل في حق هؤلاء الذين يخترعون العبارات والمعتقدات من عند أنفسهم باسم محبة الرسول عليه الصلاة والسلام الرجوع إلى شرع الله سبحانه وتعالى وهدى رسوله عليه الصلاة والسلام.
ولقد جاء في كتابه العزيز آية واحدة فقط في الحث على الصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام، بينما جاء حشد من الآيات في الحث على ذكر الله كما قال تعالى: (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم..)، وقوله تعالى: (فاذكروني أذكركم..)، وقوله تعالى: (واذكر ربك كثيرا..).
وقوله تعالى: (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة)، وقوله تعالى: (واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا)، وقوله تعالى: (فاذكروا الله كذكركم آبائكم أو أشد ذكرا)، وقوله تعالى: (فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم).. وسياق هذه الآيات كلها وكثير غيرها على خلاف ما يعتقده هؤلاء أصحاب عبارة (عطر فمك).
كما أن الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام فيها معاني العبادة لله، فهل يحسن بنا أن نتباهى ونتظاهر للناس بهذه العبادة؟.. إن الأصل في نوافل العبادات الستر والخفاء بين العبد وربه، يقول الحق (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر ).
أما مظاهر المباهاة والتظاهر بالعبادات إنما هو إلى الرياء والسمعة أقرب منه إلى شيء آخر، فلابد أن تكون أعمال الإنسان خالصة لوجه الله تعالى ووفق ما شرع الله. نحبك يا سيدي يا رسول الله ونعلي قدرك كما يجب.. يقول الحق (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
الكاتب: نجيب عصام يماني
المصدر/ صحيفة عكاظ